التامانغ يرفعون صوتهم ضد مشروع الكهرباء.. هل تستجيب نيبال لمطالب الشعوب الأصلية؟
التامانغ يرفعون صوتهم ضد مشروع الكهرباء.. هل تستجيب نيبال لمطالب الشعوب الأصلية؟
في قلب جبال نيبال، تقدمت مجتمعات تامانغ الأصلية في بلدة بوهيني التابعة لبلدية شانكارابور شمال شرق كاتماندو، ومعها مجتمعات محلية متضررة، بشكوى رسمية إلى لجنة مراجعة الامتثال التابعة لآلية المساءلة في بنك التنمية الآسيوي (ADB) تتعلق بمشروع ضخم لخط نقل الكهرباء بقدرة 220/400 كيلو فولت يربط بين تاماكوشي والعاصمة كاتماندو، والذي تقول المجتمعات إنه بُني قسراً على أراضيهم من دون الحصول على موافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة، وذلك في خرق واضح للمعايير الدولية لحماية حقوق الشعوب الأصلية.
خطوط الكهرباء فوق البيوت والمعابد
تصف المجتمعات المحلية في نيبال المشروع بأنه يهدد وجودها المادي والثقافي، فالمحطة الفرعية وأبراج الكهرباء تمر مباشرة فوق المنازل والحقول الزراعية والمواقع الدينية والثقافية، ما يعني تهديداً مزدوجاً أولاً لسبل عيش السكان الذين يعتمدون على الزراعة والسياحة الريفية، وثانياً لتراثهم الروحي والثقافي المتجذر في الأرض، وتضيف الشكاوى أن ذلك قد يقود إلى نزوح قسري من أراضي الأجداد، وهو أحد أشد أشكال الانتهاكات ضد الشعوب الأصلية.
السيادة على الأرض
الخلاف لا يقتصر على أسلاك الكهرباء، بل يمتد إلى قضية أعمق تتعلق بـ"السيادة على الأرض"، فشعوب تامانغ، وهم من أبرز المجموعات الأصلية في نيبال، ينظرون إلى أراضيهم باعتبارها أكثر من مجرد ملكية، إنها صلة هوية ومصدر بقاء، وبحسب إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (UNDRIP) لعام 2007، فإن أي مشروع تنموي يجب أن يحصل على موافقة حرة ومسبقة ومستنيرة من المجتمعات الأصلية، غير أن شكاوى تامانغ تكشف عن تجاهل ممنهج لهذا المبدأ، ما يجعل المشروع موضع تساؤل دولي حول شرعيته الحقوقية.
صراع غير متكافئ مع السلطات
لجنة النضال المتضررة من مشروع الطاقة الكهرومائية في تاماكوشي العليا، والتي تقود الاحتجاجات، أشارت إلى أنها قدّمت عشرات الشكاوى إلى هيئة كهرباء نيبال (NEA) وبنك التنمية الآسيوي من دون استجابة فعلية، وفي المقابل، تصر السلطات في النيبال على أن المشروع يدخل في إطار "تحسين كفاءة نقل وتوزيع الطاقة" في البلاد، غير أن السؤال الأبرز الذي يطرحه السكان هو: هل يحق للتنمية أن تُبنى على حساب حقوق الإنسان وكرامة المجتمعات؟
الحقوق في مواجهة المشاريع الكبرى
قضية تامانغ تعكس مأزقاً متكرراً في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تصطدم المشاريع الممولة من مؤسسات مالية دولية بمصالح وحقوق المجتمعات الأصلية، وقد أشارت تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش مراراً إلى أن مشروعات البنية التحتية الكبرى كثيراً ما تُفرض قسراً، ما يؤدي إلى انتهاكات تتراوح بين فقدان الأراضي والتهجير، وصولاً إلى تدمير الروابط الاجتماعية والثقافية.
حقوق الشعوب الأصلية ليست خياراً
الأمم المتحدة، عبر المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، شددت في تقارير سابقة على أن أي تجاهل لحق الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة يمثل خرقاً للقانون الدولي العرفي، كما أن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ربطت بين فرض مشاريع قسرية واعتبارها شكلاً من أشكال التمييز والإقصاء، وفي حالة نيبال، تُطرح القضية كاختبار جاد لمدى التزام بنك التنمية الآسيوي نفسه بسياساته الداخلية التي تؤكد على "الحماية البيئية والاجتماعية" واحترام المجتمعات المحلية.
النزوح والآثار الاجتماعية
المشروع لا يعني مجرد أبراج وأسلاك كهربائية، بل يفتح الباب أمام آثار متسلسلة، فوفق تقديرات محلية، يهدد الخط الفرعي أكثر من 300 أسرة في بوهيني بشكل مباشر، فيما يُتوقع أن يتضرر آلاف آخرون بشكل غير مباشر نتيجة فقدان الأراضي الزراعية، وتراجع السياحة البيئية التي تُعد مصدر دخل أساسياً، ومع مرور الخطوط فوق مناطق دينية وثقافية، يحذر قادة محليون من أن ذلك قد يؤدي إلى طمس هوية مجتمعية بأكملها.
القانون الدولي الإنساني و"التنمية المفروضة"
القانون الدولي يضع حقوق الإنسان في قلب التنمية، فاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 169 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية، على سبيل المثال، تشدد على ضرورة مشاركة المجتمعات في كل مراحل المشروع، من التخطيط إلى التنفيذ، ومع أن نيبال ليست من الدول المصادقة على الاتفاقية، فإن المعايير الدولية أصبحت أداة ضغط حقيقية على الحكومات والبنوك الممولة، بما فيها بنك التنمية الآسيوي، الذي سبق أن التزم علناً بمبدأ "عدم إلحاق الضرر" في تمويلاته.
القضية تضع نيبال أمام اختبار مزدوج: داخلي يتعلق بقدرة الدولة على حماية مواطنيها من التجاوزات، وخارجي يتعلق بمصداقية التزاماتها أمام شركائها الدوليين، وفي المقابل، يرى مراقبون حقوقيون أن تحرك تامانغ قد يشكل سابقة مهمة في توثيق الانتهاكات وإحراج المؤسسات المالية الدولية التي غالباً ما تقدم نفسها بوصفها "شركاء في التنمية المستدامة.
قصة تامانغ ليست مجرد خلاف على مسار خط كهرباء، بل هي صورة مكثفة لصراع عالمي بين التنمية المفروضة وحقوق الإنسان، فالطاقة التي يُراد نقلها إلى العاصمة كاتماندو قد تضيء البيوت، لكنها في المقابل تهدد بإطفاء جذور وهوية ووجود مجتمعات أصلية بأكملها.